فصل: واقعة الخصيان وعمارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.واقعة الخصيان وعمارة:

ولما استقام الأمر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة وأولياؤهم واجتمع منهم العوريش وقاضي القضاة ابن كامل والأمير المعروف والكاتب عبد الصمد وكان فصيحا وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي وكان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لإخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيبا وافرا من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر اسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معه ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الإسكندرية واستغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا أنه غضب فأطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيرا وعمارة كاتب الدست وصاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة داعي الدعاة وعبد الصمد جابي الأموال والعوريش ناظرا عليه فوافقهم ابن مضيال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس وأحضر زمام القصر وهو مختص بالغز ونكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد أن هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغر به فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الاستبداد وأنه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه وهو قوله:
فاخلق لنفسك ملكا لا تضاف به ** إلى سواك وأور النار في العلم

هذا ابن تومرت قد كانت ولايته ** كما يقول الورى لحما على وضم

وكان أول هذا الدين من رجل ** سعى إلى أن دعوه سيد الأمم

فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوما ثم شنقه ومر عمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة:
عبد الرحيم قد احتجب ** إن الخلاص هو العجب

وفي كتاب ابن الأثير أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله وقرىء الكتاب وجيء به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة وعزل جميع الخدام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصيا أبيض وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها نارا وأحرق أموالهم وأولادهم فانهزموا وركبهم السيف ثم استأمنوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة تورنشاه فاستلحمهم.

.قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر.

كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العباسي وهو يماطل بذلك حذرا من استيلاء نور الدين عليه ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن مخالفة نور الدين ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخيشاني وكان يدعى بالأمير العالم فلما رأى إحجامهم عن هذه الخطبة قال: أنا أخطبها! فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر وكان العاضد في شدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك وتوفي في عاشوراء من السنة وجلس صلاح الدين للعزاء فيه واحتوى على قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه وكان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلي الذهب وآنية الفضة والذهب ووجد ماعون القصر من الموائد والطسوت والأباريق والقدور والصحاف والخوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة كل ذلك من الذهب ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات المعلقات والوشي ما لا تقله الأوقار ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا ومن المال ما يملأ مائة بيت ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا وكانت بالدولة عند عهد العزيز والحاكم قد خلا جوها من رجالات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرناه من قبل ولما هلك العاضد وحول صلاح الدين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا لداود بن العاضد ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة ثم خرج بعد حين ابنه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد وحبس إلى أن هلك وظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد ودعا هنالك وتسمى بالمهدي فقتل وصلب ولم يبق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية وفي بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كما يذكر في أخبارهم إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يد هولاكو من ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستمائة والأمر لله وحده هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن المسبحي جمعت ما أمكنني منها ملخصا والله ولي العون.